انعقد في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند في سبتمبر 2025 منتدى »تراث الماضي العظيم- أساس المستقبل المستنير»، شارك فيه أكثر من 200 خبير من أكثر من 20 دولة العالم. أصبح المشاركون في المنتدى من أوائل الذين شاهدوا معروضات قاعات المتحف لمركز الحضارة الإسلامية. إحدى جواهر المتحف بلا شك هي الكسوة التي أهدتها المملكة العربية السعودية لأوزبكستان الصيف الماضي. يمكن تسمية قاعة المصاحف قلب المركز حيث يُعرض مصحف عثمان الشهير. قيّم نائب رئيس الإدارة الروحانية لمسلمي روسيا ومدير المعهد الإسلامي في موسكو ضمير محيطدينوف المزبج بين الروحانية والعلم في موقع واحد يمثله مركز الحضارة الإسلامية.
الكسوة هي جزء من كسوة الكعبة. هي قماش من الحرير الأسود بنقوش بخيوط ذهبية يغطي جدران الكعبة، البناء الحجري المقدس في مكة المكرمة الذي يُعتبر المركز المادي للإسلام. يتم تغيير الكسوة سنوياً وتُقطع المزالة إلى قطع وتوزع على أشخاص معينين ومسؤولين ومتاحف ومنظمات. زينت التركيبة من الكسوة ومفاتيح الكعبة قاعة النهضة الأولى، حيث تمكن مراسل »فرغانة» من »التقاط» دامير وايسوفيتش.
- ما مدى أهمية وجود الكسوة في مركز الحضارة الإسلامية؟
- هذا اقتناء عظيم حقاً، فكرة رائعة وممتازة أن يجد مثل هذا العنصر من الثقافة الإسلامية والتقليد والعبادة وجزء من العبادة مكانه في مركز الحضارة الإسلامية.
رؤية الكسوة بالعين المجردة وعن قرب وفحص العناصر التي تحتويها هذا إلى حد ما أداء حج صغير »افتراضي» إلى بيت الله العلي: إثارة الحب للمقدس مرة أخرى في النفس وحث الذات على ما قيل في القرآن الكريم أن على الناس واجب زيارة بيت الله والدخول في حالة العبادة هذه.
حالتنا تبدأ بالمشاعر الداخلية: عندما تستعد لهذا الحدث وتوفر المال وتخطط وتفكر هل تذهب للاستجمام في منتجع هذا العام أم تؤدي الواجب الديني. لذلك زيارة مثل هذا المكان تغمر وتهيئ مسبقاً للقاء بيت الله وللقاء الكعبة. والكسوة هي ذلك العنصر، نوع من »مدخل البوابة»: من خلال هذا »الباب» كأنك تدخل روحياً إلى الكعبة وبيت الله وتنغمس في هذا الواقع.
- يوجد في المتحف أيضاً قاعة المصاحف حيث يُعرض مصحف عثمان الشهير.
- أعتقد أن رؤية مصحف عثمان كأثر كتبه أشخاص بارزون في الإسلام، مرتبطاً بعنصر الكسوة، ستترك انطباعاً هائلاً لا يُمحى على الناس وخاصة المتدينين. سيبقى هذا في الذاكرة وسيُنقل في الحكايات للأجيال: »بفضل الله العلي أتيحت لي الفرصة لأكون في هذا المعبد العظيم للعلم ومعبد الثقافة ومعبد الحضارة، لأرى الكعبة بعيني والمسها والتقط صورة وربما أعلقها في أبرز مكان في البيت».
مصحف عثمان إحدى أقدم النسخ المخطوطة للكتاب المقدس للإسلام. الصحابي عثمان بن عفان أمر عام 647 بإنشاء عدة نسخ من القرآن وأرسلها إلى مناطق مختلفة. حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت المخطوطة محفوظة في جامع خواجة أحرار ولي في سمرقند. بعد فتح سمرقند من قبل الإمبراطورية الروسية في مايو 1869 أُرسل المصحف إلى سانت بطرسبورغ. في أغسطس 1922 بناء على مطالب مسلمي تركستان تمكنوا من إعادة الكتاب المقدس إلى طشقند. حالياً يُحفظ مصحف عثمان في جامع »موي مبارك» في مجمع حضرة إمام.
- يُعرض في المتحف أيضاً كتب مقدسة أخرى بما في ذلك في شكل نسخ وفاكس، ألا تقل قيمتها عند النسخ؟ من الناحية الروحية طبعاً.
- لا يمكن أن تقل القيمة من وجهة نظر روحية ولا من أي وجهة نظر أخرى. النبي في حديثه ينقل أن الإنسان يحصل على أجر وثواب لكل حرف يقرأه. لم يُقل هناك »اقرأوا من أقدم نسخة» أو »من مصدر مخطوط» أو »من نسخة مطبعية». أي نقل للمعرفة مقبول وقيم، والتقليد المخطوط أيضاً شكل من أشكال النقل.
الأمر الآخر أن النسخة المكتوبة بيد الخطاط، بالإضافة إلى الجمال والأناقة، قد تحتوي على عدد ملحوظ من الأخطاء. من المعروف جيداً أن المخطوطات المبكرة للقرآن المحفوظة أو التي كانت محفوظة أو اكتُشفت في أماكن مختلفة تحمل في طياتها كمية كبيرة من الأخطاء. مخطوطة القرآن المعروفة Е20 التي يوجد جزء كبير منها عندنا في سانت بطرسبورغ في معهد المخطوطات الشرقية تظهر بوضوح كيف أدخل الخطاطون المتأخرون والعارفون بالقرآن تصحيحات على النص الأصلي. لذلك من ناحية مواد مثل التجويد وعلوم القرآن، كثيراً ما يتبين أن قراءة القرآن من طبعة حديثة معاد إصدارها ومنقحة أكثر صحة ودقة. لكن نقل التراث مهم بشكل خاص من ناحية الحفاظ على الأصالة.عندما يقال في النقاشات عن »الإنجيل الأصيل» أو »القرآن الأصيل»، يتحول هذا كثيراً إلى موضوع جدل: معارضو الإسلام يزعمون أنه لم تُحفظ أي نسخة أصلية من القرآن كتبها عثمان شخصياً أو مجموعة النساخ في عهده. لكن عندما نجمع القطع الأثرية من حول العالم ونظهر: ها هو الحجازي وها هو الكوفي المبكر وها هي المصاحف المكتوبة في الكوفة والبصرة وبغداد ومناطق أخرى، نؤكد بذلك أن القرآن وصل إلينا بالشكل الحديث كما كُتب في عهد النبي محمد. نعم، توجد اختلافات في النطق واللهجات وهي معروفة ومدروسة ونُقلت في التقليد الشفوي والكتابي.
نفهم أن قيمة القرآن أيضاً في أنه أول أثر مكتوب ومثبت للثقافة والحضارة الإسلامية. العرب الأوائل لم ينشروا المؤلفات المكتوبة على نطاق واسع، تم نقل المعرفة بشكل أساسي شفويا. إن الحقيقة أن القرآن أصبح أساس تقليد الكتاب تقول الكثير وتلزم بالكثير. القرآن أثر لاحقاً على فقه اللغة والعلوم ذات الصلة، اللسانيات والاصطلاح وقواعد فهم المعاني وتركيب الجملة وهكذا.
في هذا الإطار القرآن أصيل للغاية، من المثير للاهتمام جداً جمعه وحفظه ودراسة كيفية تطور الخط في القرون المبكرة وما هي الاتجاهات الموجودة وكيف تم تزيين النص. هذه مدارس كاملة — الهراتية والشيرازية والإصفهانية. كل عصر سعى لإدخال فهمه للجمال والثقافة في صفحات القرآن. وتجمع هذه المصاحف في مثل هذه المراكز حيث يمكننا رؤية تقليد الألف عام بأعيننا أمر عظيم بالطبع.
- كيف يتم الجمع في مركز الحضارة الإسلامية بين الدين والمتحف الذي يُعتبر مكاناً صاخباً إلى حد ما؟
- لم أستخدم تعبير »معبد العلم» عن طريق الصدفة. المتحف ليس مكان صخب، هو معبد بالفعل. يمكن »الإمساك» بالصخب حتى أثناء الطواف حول الكعبة، عندما في أقدس مكان يؤدي ملايين الناس الحج أو العمرة ويتعجلون ويدوسون على الأقدام، وبعضهم في نوبة غضب قد يدفع حتى، مثل هذه الحالات كانت موجودة ورأيتها كثيراً. يمكن العثور على الصخب في كل مكان. المهم ألا يكون الصخب في الروح والقلب. وتأمل الكسوة والقرآن يمكن أن يمنح ذلك العنصر من السكينة والهدوء النفسي والرضا والطمأنينة.
لذلك لا أعتبر من غير المناسب وضع مثل هذه الآثار الإسلامية في أراضي »معابد العلم» في الجامعات والمدارس. نحن أيضاً في روسيا نسعى لوضع عناصر من القرآن وصفحاته في أماكن العلم والتعليم: دع الإنسان وإن كان متعجلاً، لكن عندما يوجه نظره إلى هذه الكتابات وهذه الآثار العظيمة يجد السكينة والطمأنينة ويعيد النظر في سلوكه ونمط حياته والصخب يختفي.